فصل: مسألة اشتركا في أرض خرج من عنده بذرا فبذرها كلها فجاء صاحبه بعد ذلك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة اشتركا في أرض خرج من عنده بذرا فبذرها كلها فجاء صاحبه بعد ذلك:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر قال: وسئل ابن القاسم عن رجلين اشتركا في أرض يزرعانها بينهما، فحرثاها فلما كان إبان الزرع غاب أحد الشريكين فلما خشي صاحبه فوات الزرع أخرج من عنده بذرا فبذرها كلها، فجاء صاحبه بعد ذلك، قال ابن القاسم: لا يكون له شرك في الزرع، وإنما يكون له مثل كراء تلك الأرض محروثة، ويكون الزرع للذي زرع، قال: فقيل له: فإن كان قسم الأرض بين اثنين فأحضر لذلك رجالا فزرع حصته وترك ما بقي؟ قال: لا ينفعه ذلك، ويكون للذي غاب كراء نصف ما زرع ولا ينفعه ذلك إلا أن يتعدى السلطان فيكون هذا الذي يقسمها فيزرع حصته فهذا الذي لا يكون له شيء فيما زرع صاحبه.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم مثل قوله في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الشركة، وخلاف لقوله في سماع سحنون من هذا الكتاب، وقد مضى الكلام هنالك على وجه الاختلاف في ذلك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.
تم كتاب المزارعة بجيد الله تعالى وحسن عونه.

.كتاب المغارسة:

.مسألة يغرس له نخلا في أرض له على أن له جعلا:

من سماع ابن القاسم من مالك:
من كتاب الرطب باليابس قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل قاضى رجلا على أن يغرس له نخلا في أرض له على أن له في كل نخلة تنبت جعلا قد سماه، وأن ينبت غرسه فلا شيء له عليه، ولا يلزمه العمل في ذلك إن شاء أن يتركه تركه فقال: لا أرى به بأسا إذا اشترطا للنخل قدرا يعرف، أربع سعفات أو خمسا أو نحو ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه جعل محض، والمغارسة على الجعل جائزة، لأنها تجوز على الجعل وعلى الإجارة وعلى جزء من الأصل إذا بلغ الغرس حدا تجوز المغارسة إليه، ولا اختلاف أحفظه في المذهب في إجازة المغارسة على الجعل؛ لأن الجعل أصل في نفسه كالقراض والمساقاة لا تقاس على الإجارة ولا تقاس الإجارة عليه، وإن أخذ شبها منها، والأصل في جوازه قول الله عز وجل: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ يوم حنين: «من قتل قتيلا فله سلبه» وقوله يوم بدر من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا ومن فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، وإن كان مالك قد كره ذلك، فإنما كرهه لئلا تفسد نيات الناس في الجهاد لا أنه عنده حرام وقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ للنفر من أصحابه الذين رقى أحدهم سيد حي من أحياء العرب مروا بهم من لدغة لدغ بها على قطيع من الغنم فرقاه فكأنما أنشط من عقال فسألوه عن ذلك: «قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم».
ولجوازه أربعة شروط متفق عليها، وهي أن يكون الجعل معلوما، وألا ينقد، وألا يضرب للعمل أجل وأن لا يكون للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه، وشرط خامس مختلف فيه، وهو أن يكون للجاعل فيه منفعة إذا تم، وهذه الشرائط كلها موجودة في المغارسة على الجعل فوجب أن يجوز، وقد قال ابن دحون: مسائل المغارسة لا أصل لها وفيها غرر وخطار ظاهر، وقد أجازها مالك وأصحابه وللمخالفين عليهم فيها تعلق قوي، لأن أصحاب مالك كلهم منعوا من الغرر والخطر في جميع مسائلهم وأجازوه في هذا وجعلوه من باب الجعل، ومن أصلهم أن لا يجوز الجعل إلا في اليسير، وأجازوه في هذا العمل الكثير، وهو خطر عظيم، وليس قول ابن دحون بصحيح؛ لأنهم إنما منعوا من الغرر الكثير في البيع لنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عن بيع الغرر وعن الخطر والقمار في غير البيع؛ لأنه من ميسر الجاهلية، وأما الجعل فقد جوزته السنة وأجازته الشريعة على ما فيه من الغرر على الشروط التي ذكرناها، وليس من شروط صحته ما ذكره من أنه لا يجوز إلا في اليسير، وإن كان قد قاله عبد الوهاب وغيره، بل يجوز في اليسر والكثير إذا لم يكن للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه.
وإنما قال مالك: لا يجوز الجعل على بيع الثياب الكثيرة وإنما يجوز على بيع الثوب والثوبين من أجل أن الثياب الكثيرة إذا أسلمها إليه ليبيعها له بالجعل فلم يبعها وصرفها إليه كان قد انتفع بحفظه لها وحوزه إياها مدة كونها بيده، فهذه هي العلة في أن لا يجوز الجعل على بيعها لا كونها كثيرة، فقد يجوز الجعل باتفاق على طلب العبد الآبق وحفر البئر وما أشبه ذلك، وإن كان العمل في ذلك كله كثير من أجل أنه إن لم يتم حفر البئر لم ينتفع الجاعل بما مضى فيها من عمل المجعول له، وكذلك إن عني المجعول له في طلب العبد الآبق إلى البلاد البعيدة فلم يجده لم يكن للجاعل في طلب المجعول له إياه منفعة، فهذا هو الشرط في جواز الجعل لا ما ذكره وبالله التوفيق.

.مسألة الأرض البيضاء يعطيها الرجل للرجل على أن يغرس له أصولا:

ومن كتاب طلق بن حبيب:
وسئل مالك عن الأرض البيضاء يعطيها الرجل للرجل على أن يغرس له أصولا، فإذا بلغت الأصول فهي بينهما نصفان نصف الأرض، ونصف النخل، قال: لا بأس بذلك أيضا إذا اشترط للأصل قدرا معلوما أن يقول حتى يثمر أو شيئا معروفا من قدرها، فإذا اشترطا هذا فلا بأس به، ولا خير فيه في بقل ولا زرع.
قيل له فبصل الزعفران يعطى على هذا النحو، وهو يقيم تسع سنين ونحو ذلك ثم ينقطع؟ قال: لا خير فيه إنما هو بمنزلة الثمرة وليس بمنزلة الأصل، فلا ينبغي ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن مغارسة الرجل للرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها أصولا بجزء منها جائزة جوزها أهل العلم قياسا على ما جوزته السنة من المساقاة، كما جوزوا قياسا عليها بناء الرحى الخربة بجزء منها، فهي سنة على حيالها ليست بإجارة محضة ولا جعل محض؛ لأنها أخذت بشبه منهما جميعا، أخذت بشبه من الإجارة في لزومها بالعقد، وشبه من الجعل في أن الغارس لا يجب له شيء إلا بثبوت الغرس وبلوغه الحد المشترط، فإن بطل قبل ذلك لم يكن له شيء ولا كان من حقه أن يعيده مرة أخرى.
واختلف إن نبت منه يسير وبلغ الحد، وبطل سائر ذلك أو بطل منه يسير، وثبت سائر ذلك، فقيل إن القليل تبع للكثير، وهو رواية حسين بن عاصم في بعض الروايات من هذا الكتاب، وقيل إن حقه يثبت في اليسير الذي بلغ ويبطل من اليسير الذي لم يبلغ، وهو قول أشهب في سماع أصبغ، وأما إن كان الذي ثبت أو بطل له قدر وبال فإن كان الأقل فلا يكون تبعا، ويثبت حقه فيما ثبت ويبطل فيما بطل، ولا يجوز إلا على شروط قد حدها أهل العلم، من ذلك أن يكون الحد في قدر الشجر إلى ما دون الإطعام، واختلف إن كان حدها الإطعام، فأجازه في هذه الرواية وفي رسم الجواب بعد هذا وفي كتاب محمد بن المواز، وله في موضع آخر منه أن ذلك لا يجوز، لأنه لا يدري متى يثمر، وكذلك اختلف أيضا إن كان حدها إلى أجل دون الإطعام، فأجاز ذلك في أول سماع حسين بن عاصم، ومنع منه في أثنائه بدليل، وهو قول مالك في الواضحة.
وكذلك اختلف أيضا إن سكتا عن الحد في ذلك، ففي رسم الجواب من سماع عيسى أن ذلك لا يجوز، وقيل إن ذلك جائز قاله ابن حبيب، وجعل حده الإثمار.
وأما إن كان الحد أو الأجل إلى ما فوق الإطعام فلا يجوز باتفاق، وكذلك إن اشترطا أن يكون الشجر أو الغلة بينهما دون الأصل لم يجز باتفاق.
ولا تجوز المغارسة في بقل ولا زرع، وأما بصل الزعفران التي تقيم في الأرض أعواما ثم تنقطع وما أشبهه فلم تجز المغارسة فيه في هذه الرواية، وأجازها سحنون في كتاب ابنه، قال: ومن دفع أرضه إلى رجل يزرعها قطنا على أن للعامل نصف الأرض ونصف القطن، فإن كان القطن يزرع في كل عام ولم يكن له أصل ثابت فذلك فاسد، وإن كان القطن يبقي السنين العدد وليس يزرع في كل عام، فهذا إن أجلا آجلا دون الإطعام فإذا بلغاه كان القطن يعني الشجر والأرض بينهما فذلك جائز والله الموفق.

.مسألة المغارسة الفاسدة إذا لم يجعل للعامل فيها جزء من الأصل:

من سماع عيسى بن دينار من كتاب استأذن سيده في تدبير جاريته قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل أعطى أرضا له بيضاء لرجل يغرسها شجرا على الثمر بينهما بالسواء، فغرس وأثمر واقتسما الثمرة زمانا ثم علم بفسخ ما صنعا، قال: يرد صاحب الأرض إلى العامل فيها ما أخذ من الثمرة مثلها إن كان يجد مثلها وإلا فقيمتها، ويكون له كراء أرضه على العامل من حين أخذها منه، وليس من حين أثمر الشجر، ويقال لصاحب الأرض: إن شئت فاغرم قيمة الغرس مقلوعا، وإن شئت فدعه يقلع غرسه.
قال محمد بن رشد: اختلف في المغارسة الفاسدة إذا لم يجعل للعامل فيها جزء من الأصل على قولين أحدهما أنه يحكم لها بحكم الكراء الفاسد، لأنه كأن الغارس اكترى منه الأرض إلى أمد غير معلوم بنصف الثمرة التي يغرسها ليبقيها فيها، وهو قوله في هذه الرواية، فتكون الغلة على هذا للغارس يرد عليه رب الأرض ما أخذ منها: المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت ويقلع غرسها إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا، وقيل: إن له قيمته قائما، قاله يحيى في سماعه من كتاب السداد والأنهار في المعاملة الفاسدة في بناء الأرحى، ولا فرق بينهما، ويكون عليه قيمة كراء الأرض قيل من يوم أخذها، وهو قوله في هذه الرواية، ومعناه عندي إن كان أخذها في وقت يمكنه وضع الغرس فيه، لأنه إن كان أخذها قبل إبان يمكنه وضع الغرس فيه فيها فالكراء إنما انعقد بينهما من يوم يمكنه وضع الغرس فيه فيها إذ لا منفعة له في الأرض قبل ذلك، وقبضه إياها للأقبض، وقيل من يوم وضع الغرس فيها وهو قوله في سماع يحيى بعد هذا، ومعناه عندي من يوم يمكنه وضع الغرس فيها، فليس رواية يحيى على هذا بمخالفة لرواية عيسى فتدبر ذلك تجده صحيحا.
وقد كان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القول فلا يوجبون عليه الكراء في رواية يحيى إلا من يوم وضع الغرس في الأرض، وإن كان أخذها، وقد أمكنه وضع الغرس فيها، وهو محتمل، وأما إن كان أخذها قبل أن يمكنه وضع الغرس فيها فلا يصح أن يكون عليه الكراء من يومئذ، وقيل من يوم أثمر النخل وهو قوله في لسماع أبي زيد وسماع حسين بن عاصم بعد هذا من هذا الكتاب.
وجه قوله في هذه الرواية ورواية يحيى أنه كراء فاسد قد فات بانتفاع المكتري به؛ فوجب أن تكون عليه قيمته من يوم قبضه، وهو يوم يمكنه الانتفاع بما قبض.
ووجه رواية أبي زيد وحسين أن الأمر لما لم ينعقد بينهما نصًّا على كراء فاسد ولا على أن يكون عليه كراء أصلا فصرفناه إلى حكم الكراء الفاسد لم يجعل عليه الكراء إلا من يوم انتفاعه بالأرض، وهو يوم أثمرت النخل، والقول الثاني يحكم له بحكم الإجارة الفاسدة، لأنه كأن رب الأرض استأجر الغارس على أن يغرس له هذه الأرض بنصف ثمرتها فيكون الحكم في ذلك أن يكون للغارس على رب الأرض قيمة غرسه يوم وضعه في الأرض مقلوعا وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه، وتكون الغلة كلها لرب الأرض يرد عليه الغارس ما أخذ منها: المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت.
وهذا الاختلاف مبني على ما غرسه الغارس من الغرس هل هو على ملكه أو على ملك رب الأرض، فمن علل بأن الغرس على ملك الغارس جعله كراء فاسدا، ومن علل بأن الغرس على ملك رب الأرض جعله إجارة فاسدة وبالله التوفيق.

.مسألة بيع الثمر قبل أن تخلق:

ومن كتاب يوصي لمكاتبه:
وسئل عن الرجل يعطي أرضه رجلا يغرس فيها شجرا على أنها إذا بلغت قدر كذا وكذا من قدر يسمونه فالأصل والشجر بينهما، فتطعم تلك الشجر قبل أن يبلغ ذلك القدر.
قال ابن القاسم: لا يصلح أن يتعامل على مثل هذا ولا يصلح العمل فيها إلا على تسمية قدر يكون قبل الإطعام أو إلى الإطعام وأما أن يشترط للشجر من الطول والقدر ما لا يبلغه إلا بعد إطعام الشجر فإن ذلك لا يصلح.
قلت: أرأيت إن وقع على هذا كيف العمل فيه؟ قال: وتكون الثمرة لصاحب الأرض ويعطي العامل أجر مثله فيما عمل، وليس له في الأرض قليل ولا كثير.
قال محمد بن رشد: قوله: إن المغارسة إلى حد من الأصول يثمر الشجر دونه لا يجوز بين؛ لأنه يدخله بيع الثمر قبل أن تخلق، لأنه باع منه نصف الأرض بغرسه النصف الآخر، وبما يغتل من جميع الغرس إلى أن يبلغ الحد الذي شرطاه، وقد مضى في رسم طلق من سماع ابن القاسم تحصيل القول فيما يجوز من الأجل في ذلك مما لا يجوز، ومضى في الرسم الذي قبل هذا من هذا السماع القول في حكم المغارسة الفاسدة إذا وقعت دون أن يكون للعامل من الأرض شيء، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك.
ونتكلم هاهنا على حكمها إذا وقعت فاسدة مع أنه قد جعل للغارس فيها جزء من الأرض كنحو هذه المسألة، فالذي يتحصل فيها لابن القاسم ثلاثة أقوال.
أحدها- أن العامل يرد إلى إجارة مثله في الجميع، ولا يكون له في الأرض شيء، فيعطي قيمة غرسه يوم وضعه في الأرض، وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، ويرد إلى رب الأرض ما أكل من الثمرة: مكيلتها إن علمت أو قيمة خرصها إن جهلت، هذا معنى قوله في هذه الرواية وإن كان لم ينص عليها فيها، وهو مذهب سحنون، وهذا القول يأتي على تعليل من علل أن الغرس في المغارسة الفاسدة كيفما وقعت على ملك رب الأرض.
والقول الثاني- أنه بيع فاسد في نصف الأرض قد فات بالغرس، فيكون على الغارس فيه لرب الأرض قيمته يوم غرسه، وإجارة فاسدة في النصف الثاني، فيكون فيه على رب الأرض للغارس قيمته مقلوعا يوم وضعه في الأرض وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، وقيل: إنه يكون عليه للغارس نصف قيمة الغرس قائما يوم الحكم فيه من أجل سقيه وعلاجه، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم بعد هذا في رسم الجواب، وقيل: إنه يكون عليه للغارس قيمة نصف غرسه يوم بلغ وتم، وأجرته من يومئذ في قيامه عليه إلى يوم الحكم، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، ويتحاسبان في ذلك فمن كان له الفضل بينهما على صاحبه رجع به عليه، والغلة بينهما في جميع ذلك على ما اشترطاه، والصحيح من ذلك ما بدأنا به من أنه يكون عليه نصف قيمة الغرس مقلوعا يوم وضعه في الأرض وأجرة مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، فالغرس على قياس هذا القول نصفه على ملك الغارس ونصفه على ملك رب الأرض.
والقول الثالث- أنه بيع فاسد أيضا في نصف الأرض قد فات بالغرس فيكون على الغارس فيه قيمة يوم فوته بالغرس، وتكون في النصف الثاني كراء فاسدا، فيكون على الغارس فيه لرب الأرض كراء مثله يوم أخذها، أو يوم وضع الغرس فيها، أو يوم أثمرت، على الاختلاف الذي قد ذكرناه في رسم استأذن، وبينا فيه معناه، ويقلع الغارس غرسه من النصف الذي لرب الأرض بعد أن تقسم إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا أو بقيمته قائما على قول يحيى بن يحيى المتقدم في رسم استأذن، وهو مذهب مالك في رواية المدنيين عنه، ويكون على هذا القول الغلة كلها للعامل يرد عليه رب الأرض ما أخذ منها، المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت، وهذا هو قول ابن القاسم في رواية حسين عنه، وهو يأتي على أن الغرس على ملك الغارس، وهو أظهر من القول الثاني، لأن اجتماع البيع والكراء في هذه السلعة أولى من اجتماع البيع والإجارة فيها، لأنهما يصيران كأنهما قد تمما الفساد بينهما، وبالله التوفيق.

.مسألة باعه نصف الأرض على أن يغرس له النصف الثاني:

ومن كتاب الجواب:
وسألته عن رجل أعطى أرضه رجلا يغرسها على النصف، فاغترسها الرجل وأكل الثمرة نحوا من أربع سنين أو خمس سنين، وأن صاحب الأرض باع نصفه ذلك من الغارس أو غيره، ثم أراد البائع صاحب الأرض بعد ذلك أن يرجع في النصف الذي في يد الغارس الذي عمر به في الأرض وغرسه عليه.
قال ابن القاسم: ليس له أن يرجع فيه، لأن أحدهما كان حلالا حين أعطاه الأرض يغرسها له وله نصفها إذا كانا سميا للغرس شبابا أو قدرا معلوما، فإن لم يكونا سميا ذلك ولا حداه كان كبيع فاسد، لأنه باعه نصف الأرض على أن يغرس له النصف الثاني، فلما لم يسميا ولا حداه فقد باعه إياه بشيء لا يدريان ما هو، فهو بيع فاسد، وقد فاتت الأرض كلها بالغرس، والغرس فوت، فيقوم على الغارس النصف الذي صار له يوم قبضه، لأنه قد فات في يديه، والغراس فوت، ويكون للغارس على صاحب الأرض نصف قيمة الغرس؛ لأن له نصف الأرض ونصف الغرس لأن الغارس هو الذي غرسه له في نصف الأرض، ويقوم الغراس قائما على حاله يوم يحكم فيه؛ لأن له سقيا وعلاجا، وبالسقي بلغ وتم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في الرسم الذي قبل هذا فلا وجه لإعادته.

.مسألة الجعل على خدمة شهر:

ومن كتاب العتق:
قال عيسى: قلت لابن القاسم أرأيت لو قال له أستأجرك على أن تغرس في أرضي هذه كذا وكذا نخلة، فإن خرجت ونبتت فهي بيني وبينك.
قال: لا بأس به إنما هو جعل وليس بإجارة، ولو شاء أن يذهب ذهب، ولو غرسها ثم ماتت لم يكن له شيء حتى تنبت، ولو لم يكن جعلا ما جاز لأنه شرط عليه شيئا لا يدري أيتم أم لا يتم؟ ولعله أن يعمل فيه ويبطل ولا يستطيع أن يخرج عنه فيكثر تعبه ويطول عناؤه، ثم لا يخرج النخل فيكون قد ذهب عمله فيه بغير شيء أخذه، ولكنه لو استأجره على أن يغرس له في حائطه هذا كذا وكذا نخله بنصف أرضه هذه لم يكن بذلك بأس، وكانت إجارة ولم يكن له أن يخرج حتى يفرغ من غراسه، فإذا غرسها وغيبها في الأرض ثبتت له أجرته لا يبالي نبتت أو عطبت، ولو كان لا يثبت له أجر حتى تخرج وتنبت ولا يستطيع هو أن يخرج كان قد منعه هو من منفعة نفسه بما لا يدري أيتم أم لا يتم؟ ولعله لا ينبت إلا بعد سنتين أو ثلاثا، ولعلها لا تنبت أبدا فيكون قد ذهب عناؤه باطلا، فلا خير فيه إلا على ما فسرت لك.
قال محمد بن رشد: قوله أستأجرك على أن تغرس في أرضي هذه كذا وكذا نخلة، فإن خرجت ونبتت فهي بيني وبينك، معناه وما نبت منها فهو أيضا بيني وبينك بموضعه من الأرض، إذ لا يصح أن يجوز الجعل إلا على هذا، لأن من شرط جوازه أن لا يكون للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه، لأنا لو حملنا المسألة على ظاهرها من أن المجعول له لا يجب له شيء إلا بأن يخرج النخل كلها وتنبت لوجب إذا لم تنبت كلها ونبت بعضها أن لا يكون للغارس فيما نبت حق، ويكون لرب الأرض الجاعل، وذلك ما لا يجوز باتفاق، ألا ترى أنه لا يجوز الجعل على خدمة شهر ولا خياطة ثوب من أجل أنه إن خدم بعض الشهر أو خاط بعض الثوب ثم ترك الخياطة أو الخدمة لم يجب له حق فيما خدم ولا فيما خاط فأخذ الجاعل باطلا، وذلك باطل لا يجوز، ولم يلتفت إلى لفظ الإجارة في قوله استأجرك لما شرطا فيها العمل على حكم الجعل، وهذا قوله في المدونة إنه إنما ينظر إلى الفعل لا إلى اللفظ.
وقوله في هذه المسألة إن المغارسة في الأرض على خدمتها لا تجوز إلا على وجه الجعل بأن لا يلزم المغارس التمادي على العمل ويكون له أن يخرج ويتركه متى ما أراد خلاف المشهور من أن المغارسة في الأرض على جزء منها جائزة على أنها لهما جميعا لازمة وإن كان لا يحملها الناس قياسا على المساقاة، وهذا أظهر، وإن كان فيه اعتراض لأن من شرط صحة المجاعلة أن يكون الجعل فيها معلوما، والجعل في هذه المغارسة غير معلوم، لأنه الجزء الذي شرط له من الأرض بعد غرسها كيف يكون الغرس، فالمغارسة على هذه الرواية لا تجوز إلا على وجهين أحدهما الإجارة على وجهها من لزومها لهما جميعا، والثاني الجعل على وجهه من أن لا يلزم المجعول له العمل وإن كان فيه من الاعتراض ما ذكرناه وهو الجعل بالجعل إذا كان على الجزء من الأرض بعد غرسه، إذ لا يدري كيف يكون الغرس، فهذا كله بين، والله الموفق.

.مسألة من استأجرأجيرا فليعلمه أجره:

قلت: أرأيت لو قال له اغرس لي في أرضي هذه نخلا، ولم يسم عددها أو رمانا أو أصلا من الأصول معينا على وجه الجعل أو على وجه الإجارة قال: لا بأس بهما جميعا.
قلت له: ألا ترى أنه لا يدري كم يغرس له فيها أيقل الغرس أم يكثر؟ قال: بل ذلك عند الناس معروف غروس الأصول كلها لها قدر عند أهل المعرفة بها يغرسونها عليه أن يرد الغارس غرسه منع من ذلك وعلم أنه أراد الضرر، وإن قارب بينهما علم أنه أراد تلافها أو هلاكها، فمعرفة ذلك ثابتة عند الناس معروفة قيل لك أجرته.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه، لأن العرف المعلوم في العمل يغني عن وصفه، بدليل قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فسمى الإجارة وضرب الأجل ولم يصف الخدمة والعمل لاستغنائهما عن ذلك بالعرف والعادة وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» وقال «من استأجر أجيرا فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتسمية الأجرة وضرب الأجل، وسكت عن وصف العمل إذ قد يستغنى عن ذلك بالعرف والعادة اللذين يقومان مقامه.

.مسألة يعطي الرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها شجرا وتكون الثمرة بينهما يقتسمانها:

ومن كتاب الصبرة من سماع يحيى من ابن القاسم:
قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها شجرا وتكون الثمرة بينهما يقتسمانها عند كل جناء أو يعامله فيها على ما لا يصلح مما أشبه هذا، فيعملها العامل ويثمر الشجرة ويقتسمان الثمرة زمانا على شرطهما.
فقال: أخطأا وجه الصواب في تعاملهما الذي جاءت به السنة، وذلك أن يكون للعامل نصف الأرض بما فيها من الغرس إذا تم نصفها أو ثلثها أو جزء من أجزائها على ما يقع به الشرط بينهما من هذا الوجه، فإذا تركا هذا وتعاملا بما لا يصلح منها، فلصاحب الأرض على العامل كراؤها لما مضى من السنين من يوم وضع فيها الغرس إلى يوم ينظر في أمرهما، يقوم له كراؤها نقدا على قدر ما يرى من رغبة الناس فيها عاما بعام، ثم يدفع ذلك إليه، ويكون على صاحب الأرض أن يغرم للعامل مكيلة ما أكل من الثمر إن كان أخذه يابسا، وإن كان أخذه رطبا غرم قيمته على خرصه، ثم يقال للعامل اقلع غرسك واصنع به ما بدا لك شرط أن لا يرضي صاحب الأرض أن يعطيه قيمة الشجر مقلوعا، ويكون أحق بها لأن قلعها فساد لا منفعة فيه للعامل، قلت: ولم لا يجعل الشجر لرب الأرض ويغرم العامل ما أكل من الثمرة ويعطيه أجر ما عمل في قيامه بالسقي والعلاج كله، ويكون صاحب الأرض أولى بثمرة شجر أرضه؟ فقال: لأني سمعت مالكا يقول إذا تعامل المتنازعان على ما لا يحل كان الزرع لصاحب الحب، ولم يكن لصاحب الأرض إلا كراء أرضه، والشجر والزرع عندنا سواء، ثمرة الشجرة للذي غرسها صلة من عنده، كما أن الزرع لصاحب البذر إذا تولى عمله كما تولى صاحب الشجر غرسه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم استأذن من سماع عيسى فلا وجه لإعادته، وما حكى عن مالك من أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر إذا تولى عمله، هو مذهب ابن القاسم في المدونة على ما تأول عليه أبو إسحاق التونسي من أن الزرع في المزارعة الفاسدة لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة أصول، وهي الأرض والعمل والبذر، وفي ذلك اختلاف كثير قد ذكرته في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب المزارعة فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا وبالله التوفيق.

.مسألة القليل تبع للكثير:

من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتابه الأقضية والأحباس قال أصبغ: وسمعت أشهب وسئل عمن يدفع أرضه إلى رجل يغرسها نخلا وسمى له سعفات معلومة وقدرا معلوما على أن الأرض والشجر بينهما فيغرسها فتموت كلها إلا ثلاث نخلات.
قال: ما نبتت فهو بينهما، وبقية الأرض لربها، قال أصبغ: وهو قول ابن القاسم فيما أعلم، وهو رأيي.
قال محمد بن رشد: لا فرق على هذا بين أن يكون الذي نبت هو الأقل أو القليل أو الأكثر أو الكثير يكون للمغارس حقه فيما نبت على كل حال، ويبطل فيما بطل ولم ينبت على كل حال، وفي سماع حسين بن عاصم عن ابن القاسم أن القليل تبع للكثير إلا أن يكون الذي نبت أو بطل له قدر وبال وإن كان الأقل فلا يكون تبعا ويثبت حقه. فيما نبت ويبطل فيما بطل، وهو قول سحنون، وهو الذي يأتي على المشهور من أن المغارسة على جزء من الأجزاء جائزة على أنها لهما جائزة، والقول الأول يأتي على القول بأن المغارسة في الأرض على جزء منها لا تجوز إلا على وجه الجعل الذي لا يلزم المجعول له فيه العمل وبالله التوفيق.

.مسألة أعطاه الأرض يغرسها على أنها إذا بلغت قدرا معلوما كان له جزء منها:

ومن نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج وسئل عن رجل أعطى رجلا أرضا له ليغرسها بينهما فلما غرس بعضها أو جلها إلا أنه لم يتم العمل إلى الشرط الذي جعلاه بينهما عجز الغارس أو غاب فأدخل صاحب الأرض آخر في الغرس فعمله وقام به أو عمله صاحب الأرض بنفسه، وتم ما بقي منه، ثم قدم الأول فطلب حقه مما كان غرس فما ترى له إذا كان غائبا أو حاضرا؟ قال أصبغ: إن كان غائبا أو حاضرا حضورا لم يسلم في مثله ولم يرض فيما يرى ولم يقطع عليه برؤية التسليم أو الرضى أو الخروج منه على حقه ويعطي الذي كفاه ما كفاه به أو أتمه يأتيه به ما لم يسرف عليه بما يعمل مثله فيرد إلى الحق وإلى ما لو كان هو العامل لزمه مثله ولحقه.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه أعطاه الأرض يغرسها على أنها إذا بلغت قدرا معلوما كان له جزء منها فعجز بعد ما عمل وغرس بعض الغرس، فأدخل رب الأرض مكانه من يتم عمله بأجرة استأجره عليها أو عمل هو ذلك بنفسه، فقال: إنه إذا لم يظهر تركه بما دخل فيه فهو على شرطه، ولمن أتم العمل أجرته على الذي عجز ما لم يكن سرفا فإن أسرف رب الأرض فيما استأجر به رد إلى الحق، وقول أصبغ فيها عندي خلاف لقول ابن القاسم في أول مسألة من سماع يحيى فن كتاب البضائع والوكالات في الخصام، ولقول ابن القاسم وسحنون في مسألة كتاب الجعل والإجارة في الرجل يستأجر الرجلين لحفر بئر فيمرض أحدهما ويحفرها الآخر إن الحافر متطوع، قال ابن القاسم لصاحبه وقال سحنون لصاحب البئر لأن ابن القاسم حمل الإجارة على أنها مضمونة على كل واحد منهما، وحملها سحنون على أنها معينة فانفسحت بالمرض، ولم يفرق أحد منهم في شيء من ذلك بين أن يكون لصاحب الأرض أو البئر أو الشريك عبيد أو أُجراء لا يحتاج من أجلهم على الاستئجار على ما عمل له، كما فرق في ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الجعل والإجارة، فقيل رواية أبي زيد مفسرة للقولين، وقيل إنها قول ثالث في المسألة وهو الأظهر والله أعلم، ولو لم يطلب الأول حقه وانتبذ منه فقال: لا حاجة لي به، وطلب الذي كفاه ما كفاه به وأتمه لتخرج ذلك على الاختلاف في المغارسة على جزء من الأرض هل هي لازمة لهما قياسا على المساقاة أو لا تلزم المغارس منهما قياسا على الجعل وحملا عليه، وقد مضى ذكر الاختلاف في رسم العتق من سماع عيسى.
ولو عجز قبل أن يفوت المغارسة في الأرض مغارس رب الأرض فيها غيره لكان الأول على حقه، ويؤدي قيمة عمل الثاني للثاني أو لرب الأرض إن لم يرد الثاني أن يرجع على رب الأرض وبالله التوفيق.